فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإن كان كافرًا فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سِنين كسِنِي يوسف» وقال: «اللهم عليك بفلانٍ وفلانٍ» سماهم.
وإن كان مجاهرًا بالظلم دعى عليه جهرًا، ولم يكن له عِرض مُحترم ولا بَدَن مُحترم ولا مال محترم.
وقد روى أبو داود: عن عائشة قالت: سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسبِّخِي عنه» أي لا تخفِّفي عنه العقوبة بدعائِك عليه.
وروي أيضًا عن عمرو بن الشَّريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليّ الواجِد ظلم يُحِل عِرضه وعقوبته» قال ابن المبارك: يحِل عِرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له.
وفي صحيح مسلم: «مطل الغنى ظلم» فالموسر المتمكن إذا طولب بالأداء ومطل ظلم، وذلك يبيح من عِرضه أن يقال فيه: فلان يمطل الناس ويحبس حقوقهم ويبيح للإمام أدبه وتعزيره حتى يرتدع عن ذلك؛ حكى معناه عن سفيان، وهو معنى قول ابن المبارك رضي الله عنهما.
الثانية وليس من هذا الباب ما وقع في صحيح مسلم من قول العباس في عليّ رضي الله عنهما بحضرة عمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. الحديث.
ولم يردّ عليه واحد منهم؛ لأنها كانت حكومة، كل واحد منهما يعتقدها لنفسه، حتى أنفذ فيها عليهم عمر الواجب؛ قاله ابن العربي.
وقال علماؤنا: هذا إنما يكون فيما إذا استوت المنازل أو تقاربت، وأما إذا تفاوتت، فلا تُمكَّن الغوغاءُ من أن تستطيل على الفضلاء، وإنما تطلب حقها بمجرّد الدعوى من غير تصريح بظلم ولا غضب؛ وهذا صحيح وعليه تدل الآثار.
ووجه آخر وهو أن هذا القول أخرجه من العباس الغضب وصولة سلطة العمومة! فإن العمّ صِنْوُ الأب، ولا شك أن الأب إذا أطلق هذه الألفاظ على ولده إنما يحمل ذلك منه على أنه قصد الإغلاظ والرّدع مبالغة في تأديبه، لا أنه موصوف بتلك الأُمور؛ ثم انضاف إلى هذا أنهم في محاجّة وِلاية دينية؛ فكان العباس يعتقد أن مخالفته فيها لا تجوز، وأن مخالفته فيها تؤدّي إلى أن يتصف المخالف بتلك الأُمور؛ فأطلقها ببوادر الغضب على هذه الأوجه؛ ولما علم الحاضرون ذلك لم ينكروا عليه؛ أشار إلى هذا المازَرِي والقاضي عياض وغيرهما.
الثالثة: فأمّا من قرأ {ظَلَمَ} بالفتح في الظاء واللام وهي قراءة زيد بن أسلم، وكان من العلماء بالقرآن بالمدينة بعد محمد بن كعب القرظِيّ، وقراءة ابن أبي إسحاق والضحاك وابن عباس وابن جبير وعطاء بن السائب فالمعنى: إلا من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول؛ في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له والردّ عليه؛ المعنى لا يحب الله أن يقال لمن تاب من النفاق: ألستَ نافقتَ؟ إلا من ظَلَم، أي أقام على النفاق؛ ودل على هذا قوله تعالى: {إِلاَّ الذين تَابُواْ} [النساء: 146 البقرة: 160].
قال ابن زيد: وذلك أنه سبحانه لما أخبر عن المنافقين أنهم في الدّرك الأسفل من النار كان ذلك جهرًا بسوء من القول، ثم قال لهم بعد ذلك: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ} [النساء: 147] على معنى التأنيس والاستدعاء إلى الشكر والإيمان.
ثم قال للمؤمنين: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} في إقامته على النفاق؛ فإنه يقال له: ألست المنافق الكافر الذي لك في الآخرة الدرك الأسفل من النار؟ ونحو هذا من القول.
وقال قوم: معنى الكلام: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، ثم استثنى استثناء منقطعًا؛ أي لكن من ظَلَم فإنه يجهر بالسوء ظلمًا وعدوانًا وهو ظالم في ذلك.
قلت: وهذا شأن كثير من الظلمة ودأبهم؛ فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم وينالون من عِرض مظلومهم ما حرّم عليهم.
وقال أبو إسحاق الزجاج: يجوز أن يكون المعنى {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} فقال سوءا؛ فإنه ينبغى أن تأخذوا على يديه؛ ويكون الاستثناء ليس من الأوّل.
قلت: ويدل على هذا أحاديث منها قوله عليه السلام: «خذوا على أيدي سفهائكم» وقوله: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قالوا: هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: «تكفه عن الظلم» وقال الفرّاء: {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} يعني ولا من ظلم.
قوله تعالى: {وَكَانَ الله سَمِيعًا عَلِيمًا} تحذير للظالم حتى لا يظلم، وللمظلوم حتى لا يتعدّى الحدّ في الانتصار. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال رحمه الله:
قوله عز وجل: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} قال أهل المعاني يعني أنه تعالى لا يحب الجهر بالسوء ولا غير الجهر به أيضًا من القول يعني من القول القبيح إلا من ظلم قيل هو استثناء متصل والمعنى إلا جهر من ظلم وقيل هو استثناء منقطع ومعناه لكن المظلوم يجوز أن يجهر بظلم الظالم.
قال العلماء لا يجوز إظهار أحوال الناس المستورة المكتومة لأن ذلك يصير سببًا لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الشخص في الريبة لكن من ظلم فيجوز له إظهار ظلمه فيقول سرق مني أو غصب ونحو ذلك.
وإن شتم جاز له أن يشتم بمثله ولا يزيد شيئًا على ذلك ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المستبان ما قالا فعلى الأول» وفي رواية «فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم» أخرجه مسلم قال ابن عباس: لا يحب الله ان يدعو أحد إلا أن يكون مظلمومًا فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله إلا من ظلم وإن صبر فهو خير له وقال الحسن البصري هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه ولكن ليقل: اللهم أعني عليه اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء وقيل نزلت الآية في الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه ولم يحسنوا ضيافته فله أن يشكو ما صنع به قال مجاهد: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج من عنده فيقول أساء ضيافتي وقال مقاتل نزلت في أبي بكر الصديق وذلك أن رجلًا نال منه والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر فسكت عنه أبو بكر مرارًا ثم رد عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله شتمني فلم تقل له شيئًا حتى إذا رددت عليه قمت ونزلت هذه الآية: {وكان الله سميعًا} يعني لدعاء المظلوم {عليمًا} بما في قلبه فليتق الله ولا يقل إلا الحق. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول} عدم محبته سبحانه لشيء كناية عن غضبه، والباء متعلقة بالجهر، وموضع الجار والمجرور نصب أو رفع، و{مِنْ} متعلقة بمحذوف وقع حالًا من السوء، والجهر بالشيء الإعلان به والإظهار كما يفهم من [القاموس]، وفي [الصحاح] جهر بالقول رفع صوته به، ولعل المراد هنا الإظهار وإن لم يكن برفع صوت أي لا يحب الله سبحانه أن يعلن أحد بالسوء كائنًا من القول {إَلاَّ مَن ظَلَمَ} أي إلا جهر من ظلم فإنه غير مسخوط عنده تعالى، وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة: هو أن يدعو على من ظلمه، وعن مجاهد أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحدًا أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه، وعن الحسن.
والسدي وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه المراد: لا يحب الله تعالى الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين، وجوز الحسن للرجل إذا قيل له: يا زاني أن يقابل القائل له بمثل ذلك، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن رجلًا ضاف قومًا فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبيّ وابن جبير والضحاك وعطاء أنهم قرءوا {إَلاَّ مَن ظَلَمَ} على البناء للفاعل، فالاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه أو لكنه يفعل ما لا يحبه الله تعالى فيجهر بالسوء، والموصول في محل نصب، وجوز الزمخشري أن يكون مرفوعًا بالإبدال من فاعل يحب كأنه قيل: لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول: ما جاءني زيد إلا عمرو بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه {لاَّ يَعْلَمُ مَن في السموات والأرض الغيب إِلاَّ الله} [النمل: 65] وهي لغة تميمية، وعليها قول الشاعر:
عشية ما تغنى الرماح مكانها ** ولا النبل (إلا) المشرفي المصمم

وقد نقل هذه اللغة سيبويه وأنكرها البعض، وكفى بنقل شيخ الصناعة سندًا للمثبت، ونقل عن أبي حيان أنه ليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأما زيد فلا يتوهم فيه عموم ولا يمكن تصحيحه إلا على أن أصله ما جاءني زيد ولا غيره، فحذف المعطوف لدلالة الاستثناء وكذا الآية التي ذكرت، ورد كما قال الشهاب بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلًا والمفروض خلافه، وأن المراد كما يفهمه كلام الطيبي جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كأن الاستثناء مفرغ والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه، أو لكونه مظنة توهم الإثبات، فيقولون: ما جاءني زيد إلا عمرو، والمعنى ما جاءني إلا عمرو فكذا هاهنا المعنى لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم فأدخل لفظ {الله} تأكيدًا لنفي محبته تعالى يعني لله سبحانه اختصاص في عدم محبته ليس لأحد غيره ذلك.
فإن قيل: ما بعد {إِلا} حينئذ لا يكون فاعلًا وهو ظاهر فتعين البدل وهو غلط، أجيب بأنه إنما يكون غلطًا لو لم يكن هذا الخاص في موقع العام، ولم يكن المعنى ما جاءني أحد إلا عمرو فإن قيل: فكيون لفظ {الله} مجازًا عن أحد ولا سبيل إليه، أجيب بأن لا يحب الله مؤل بلا يحب أحد، وواقع موقعه من غير تجوز في لفظ {الله} كذا قيل، وتعقبه الشهاب بأن المستثنى منه إذا كان عامًا، فإما بتقدير لفظ كما ذكره أبو حيان وإما بالتجوز في لفظ العلم، وكلاهما مرّ ما فيه، ولا طريق آخر للعموم، فما ذكره المجيب لابد من بيان طريقه اللهم إلا أن يقال: إن الاستثناء من العلم يشترط فيه أن يكون صاحبه أحق بالحكم بحيث إذا نفى عنه يعلم نفيه عن غيره بالطريق الأولى من غير تقدير ولا تجوز فيقال هنا مثلًا: إذا لم يحب الله سبحانه الجهر بالسوء وهو الغني عن جميع الأشياء فغيره لا يحبه بطريق من الطرق، وأنت تعلم أن هذا لا يشفي الغليل لأن الاشتراط المذكور مما لم يقم عليه دليل، على أن دعوى كون نفي حب الجهر بالسوء عنه تعالى يعلم منه نفيه عن غيره بالطريق الأولى في غاية الخفاء، فالأولى ماذكره بعد بأن يقال يقدر في الكلام ما ذكر لكنه عند الاستثناء منقطعًا بحسب المتبادر، والنظر إلى الظاهر.
وجوّز على قراءة المعلوم أن يكون متعلقًا بالسوء أي إلا سوء من ظلم فيجب الجهر به ويقبله، وقيل: إنه متعلق بقوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} [النساء: 147] فقد روي عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقول هذا على التقديم والتأخير، أي ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم، إلا من ظلم وكان يقرأها كذلك، ولا يكاد يقبل هذا في تخريج كلام الله تعالى العزيز.
{وَكَانَ الله سَمِيعًا} بجميع المسموعات فيندرج فيها كلام المظلوم والظالم {عَلِيمًا} بجميع المعلومات التي من جملتها حال المظلوم والظالم، والجملة تذييل مقرر لما يفيده الاستثناء ولا يأبى ذلك التعميم كما توهم.
ووجه ربط هذه الآية بما قبلها على ما قاله العلامة الطيبي أنه سبحانه لما فرغ من بيان إيراد رحمته وتقرير إظهار رأفته جاء بقوله جل وعلا: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء} تتميمًا لذلك وتعليمًا للعباد التخلق بأخلاقه جل جلاله، وفيه أن هذا مما لا محصل له ولا تتم به المناسبة، وزعم أن الآية الأولى فيها أيضًا إشارة إلى تعليم التخلق بالأخلاق العلية كما قرره عصام الملة ورجا أن يكون من الملهمات، وحينئذ يشتركان في أن كلا منهما متضمنًا التعليم المذكور ليس بشيء كما لا يخفى، ومثل ذلك ما ذكره علي بن عيسى في وجه الاتصال وهو أنه تعالى شأنه لما ذكر أهل النفاق، وهو إظهار خلاف ما يبطن بيّن جل وعلا أن ما في النفس منه ما يجوز إبطانه ومنه ما يجوز إظهاره، وقال شهاب الدين: الظاهر أنه لما ذكر الشكر على وجه علم منه رضاه سبحانه ومحبة إظهاره تممه عز وجل بذكر ضده، فكأنه قيل: إنه يحب الشكر وإعلانه ويكره السوء وإعلانه، وفيه احتباك بديع. اهـ.